تلوح في أفق المشهد السياسي الفرنسي ملامح حرب قانونية وسياسية طاحنة، بين الداعين لإلغاء مسابقات مصارعة الثيران في الحلبات (لاكوريدا)، وبين من يؤيدون استمرارها لكونها جزءا من “الثقافة الفرنسية”.
وكشفت مجلة “لوبس” (L’Obs) الفرنسية أن النائب عن حزب “فرنسا الأبية” أيميريك كارون يعتزم -في 24 من الشهر الجاري- تقديم مشروع قانون يجرّم “لاكوريدا”. ويعتبر كارون من أبرز النشطاء في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان، وبدأ حياته السياسية بتأسيس حزب “ثورة إيكولوجية لأجل الكائن الحي” (Révolution écologique pour le Vivant)، قبل أن ينضم لحزب “فرنسا الأبية” الذي يقوده اليساري جان لوك ميلونشون.
أما غريمه سيمون كاساس الذي يوصف بـ”بابا لاكوريدا”، والشخصية الأبرز في مجال تنظيم مهرجانات مصارعة الثيران في الجنوب الفرنسي بمنطقة “تورين” تحديدا، فقد وجّه -بحسب لوبس- انتقادات لاذعة لكارون، وخاطب أنصاره قائلا “لا يجوز أن نقبل هذا الخطاب الدوغمائي الذي يقوده ناشط سياسي باريسي يصفنا بالسادية”، مشددا على ضرورة رفض المساس بجزء مهم من تراث فرنسا الثقافي.
ونقلت المجلة عن كارون تأكيده أن القانون الجنائي الفرنسي ينص على معاقبة من يتعرضون بالأذى للحيوانات بعقوبة قد تصل إلى السجن 5 سنوات مع غرامة تبلغ 75 ألف يورو، لكن رغم ذلك يغض الطرف عن تعذيب ثور وقتله علنا أمام أعين الجماهير.
ويتحدث الناشط في مجال حقوق الحيوان عن أن نحو ألف ثور تقتل كل سنة في حلبات مصارعة الثيران، وتقول “لوبس” إن فئة واسعة من الفرنسيين تؤيد منع هذه الممارسة بنسبة تصل إلى 81%، بحسب إحصاء أجراه تحالف معارضة مصارعة الثيران في فرنسا.
ويحرص مؤيدو “لاكوريدا” على تأكيد أنها “طقس فلسفي” تتواجه فيه الحياة والموت، ويبلغ أوجه عندما يستطيع مصارع الثيران قتل حيوان يزن 500 كيلوغراما.
وذكرت “لوبس” أن كلا من قصر الإليزيه (الرئاسة) وماتينيون (الحكومة) لا ينظران بعين الرضا إلى جهود حزب “فرنسا الأبية” والنشطاء في مجال حقوق الحيوانات، لإقرار قانون إلغاء مسابقة مصارعة الثيران.
وقد سارع وزير الفلاحة مارك فيسنو للتأكيد داخل البرلمان على أن مشروع قانون منع مصارعة الثيران “ليس مناسبا”، مؤكدا أن هذه الممارسة تعد من التقاليد الثقافية الفرنسية، ويجب أن تبقى بغض النظر عن الموقف منها.
وعلّقت “لوبس” على تصريح فيسنو بقولها إنه يطابق تصريحات سيمون كاسياس، ونقلت عن كاسياس تأكيده أن السياسيين يعلمون جيدا أن هناك خطوطا حمرا لا يجوز تجاوزها و”لاكوريدا” من بينها، مضيفا أن التصويت لصالح مشروع قانون منع مصارعة الثيران في فرنسا معناه الانتحار سياسيا.
وفي الوقت الذي يتعبّأ فيه أنصار استمرار مسابقات مصارعة الثيران في فرنسا للدفاع عن هذا “التراث الثقافي”، ينظم أيميريك كارون ومعه جمعيات مناهضة “لاكوريدا” صفوفهم للتظاهر في نحو 45 مدينة فرنسية خلال الأيام المقبلة، يختمونها بوقفة أمام مقرّ الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، للدفاع عن مشروع قانون إلغاء مسابقات مصارعة الثيران في فرنسا.