الزراعة تمثل أعلى القطاعات استقطابا لعمالة الأطفال في مصر (الجزيرة)

الزراعة تمثل أعلى القطاعات استقطابا لعمالة الأطفال في مصر (الجزيرة)

القاهرة- في قرى مصر وداخل الأحياء الشعبية بالقاهرة تنتشر مظاهر عمالة الأطفال، سواء في الزراعة أو الأعمال الحرفية والخدمية، وهي ظاهرة تتزايد في أوقات الأزمات الاقتصادية، وتسعى الحكومات المتعاقبة للقضاء عليها منذ عقود طويلة.

وأحدث تلك الجهود إعلان وزارة القوى العاملة الأسبوع الماضي أنها ستنتهي في غضون عامين من تنفيذ خطة أعلنت عنها قبل نحو 4 سنوات للقضاء على عمالة الأطفال، ورغم ما تعلنه الحكومة من جهود في هذا الصدد يبرز تشكك من جانب معنيين تجاه فاعلية تلك المساعي الرسمية.

 

وشاركت قيادات بوزارة القوى العاملة في اجتماع -عقد قبل أيام- للتباحث حول الخطة الوطنية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال ودعم الأسرة، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية.

وقالت رئيسة الإدارة المركزية للعلاقات الخارجية بوزارة القوى العاملة آمال عبد الموجود إن الأزمات المتلاحقة -مثل جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا- شكلت ضغوطا كبيرة على الأسرة، موضحة أن الأطفال يتحملون دائما العبء الأكبر في مواجهة تلك الأزمات.

ورأت -في كلمة ألقتها خلال الاجتماع نيابة عن وزير القوى العاملة- أن الأنشطة التنفيذية للخطة الوطنية خارطة طريق للقضاء على ظاهرة عمل الأطفال في البلاد وتوفير الحماية الشاملة للطفل وأسرته.

 

 

الخطة الوطنية

وفي يوليو/تموز 2018، أطلقت وزارة القوى العاملة ومكتب منظمة العمل الدولية بالقاهرة الخطة الوطنية لمشروع مكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال في مصر ودعم الأسرة (2018-2025).

 

وفي كلمته خلال الاحتفال بإطلاق الخطة الوطنية، قال وزير القوى العاملة السابق محمد سعفان إن عمل الأطفال جريمة لا بد من وقفها، مؤكدا سعي الحكومة للارتقاء بالأسرة المصرية وتوفير الدخل الملائم لها للاستغناء عن تشغيل الأطفال.

وحددت الخطة أسوأ أشكال استغلال الأطفال، وهي أشكال قالت إنها شبيهة بالرق؛ كبيع الأطفال والعمل القسري أو الإجباري، واستخدام أو تشغيل أو عرض طفل لأغراض الدعارة أو إنتاج أعمال إباحية، واستخدام الأطفال في مزاولة أنشطة غير مشروعة كإنتاج المخدرات، فضلا عن الأعمال التي تسبب الأضرار لصحة الأطفال ونفسيتهم.

وتعد أعمال الزراعة والمناجم والمحاجر وصناعة الطوب وغيرها من الأعمال المتعلقة بالتشييد والعمل في الشوارع والعمل المنزلي أسوأ أشكال عمل الأطفال الأكثر شيوعا في مصر، وفق الخطة الوطنية.

وترتكز إستراتجية تنفيذ الخطة على عدة محاور، تتمثل في إنشاء قاعدة بيانات موثقة ومستدامة عن عمل الأطفال وأسوأ أشكاله، وإنشاء أجهزة تنسيق وطنية وإقليمية لمكافحة عمل الأطفال، مع تحديث قائمة المهن الخطرة.

الفقر والأوضاع الاقتصادية المتردية يدفعان الأطفال لسوق العمل (الجزيرة)

توثيق قديم

لا تمتلك الحكومة المصرية توثيقا حديثا لواقع عمالة الأطفال؛ فآخر مسح قومي بهذا الخصوص أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2010. وبعيدا عن المسوح الرسمية فعين المتجول بشوارع البلاد لا تُخطئ مئات الآلاف من الأطفال الذين يعملون في مجالات مختلفة.

وبحسب آخر مسح، فهناك 1.6 مليون طفل عامل بمصر، أي ما يوازي نحو 9.3% من الأطفال في مصر، ويتعرض 82.2% منهم للعمل في ظروف عمل سيئة وغير آمنة.

 

وتصل نسبة الأطفال العاملين لعدد ساعات أكثر من 6 ساعات يوميا نحو 16.9% من جملة الأطفال العاملين.

ويزيد معدل عمل الأطفال في المناطق الريفية عنه بالمناطق الحضرية، إذ تمثل الزراعة أعلى القطاعات استقطابا لعمالة الأطفال بنسبة 63% من إجمالي الأطفال العاملين، ويليه قطاع التعدين والتشييد والصناعات التحويلية بنسبة 18.9%، ويضم قطاع الخدمات 17.6%.

ووفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فقد وصل عدد الأطفال الأقل من 18 سنة -في منتصف العام الجاري- إلى 41.5 مليون طفل، منهم 21.4 مليون ذكر و20 مليون أنثى، يعيش منهم في الريف 25.3 مليون طفل.

ولا تعد عمالة الأطفال مشكلة محلية بل عالمية؛ فحسب تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، هناك 160 مليون طفل يُصنفون عمالة أطفال على مستوى العالم في عام 2020.

وذكر التقرير -الصادر في يونيو/حزيران 2021، بعنوان “عمالة الأطفال: التقديرات العالمية لعام 2020، الاتجاهات والطريق إلى الأمام”- أن نحو 79 مليون طفل، يعملون في أعمال خطرة تعرض صحتهم وسلامتهم وتطورهم الأخلاقي للخطر.

 

وتتنوع مجالات العمل للأطفال بين التعدين وصيد الأسماك والخدمات المنزلية والصناعة، ولكن تظل عمالة الأطفال في الريف أكثر شيوعا؛ فهناك 122.7 مليون طفل ريفي عامل مقابل 37.3 مليون طفل في المناطق الحضرية.

الأطفال ليس أمامهم سوى الأحلام للهروب من واقع صعب الصورة خاصة للجزيرة نت
الفقر يؤدي إلى التسرب من التعليم واتجاه الأطفال للعمل لمساعدة ذويهم (الجزيرة)

قوانين

وبعيدا عن واقع الشارع المزدحم بالأطفال العاملين، تتنوع التشريعات واللوائح المانعة والمنظمة لعمالة الأطفال في مصر.

وتنص المادة 80 من الدستور المصري على التزام الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري، كما تحظر تشغيله قبل تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي، وتحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، وافق البرلمان المصري على قانون العمل الجديد الذي تضمن بنودا تخص الطفل، وعدّها معنيون وقتئذ “تشريعا” لعمالة الأطفال تحت سن 18 سنة.

وشملت مواد القانون الجديد حظر تشغيل الأطفال قبل بلوغ 15 عاما، مع جواز تدريبهم حتى يبلغوا 14 عاما بما لا يعيق مواصلة تعليمهم، مع إلزام صاحب العمل الذي يستخدم من هم دون 16 عاما بمنحهم بطاقة تفيد عملهم لديه.

كما حظر تشغيل الأطفال أكثر من 6 ساعات يوميا تتخللها فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة، بحيث لا يعمل الطفل أكثر من 4 ساعات متصلة، مع حظر العمل فترات إضافية أو في أيام العطلات، وفي جميع الأحوال يمنع العمل بين السابعة مساء والسابعة صباحا.

 

ورغم أن القانون ينص على آليات تفتيش العمل إلا أنه يستثنى من ذلك قطاع الزراعة البحتة، وهو الذي يضم أغلب الأطفال العاملين.

جهود رسمية

تؤكد الحكومة سعيها للقضاء على ظاهرة عمالة الأطفال عبر خطوات وقرارات تتخذها، ومنها:

  • صدور القرار الوزاري رقم 215 لسنة 2021 الخاص بقائمة الأعمال والمهن الخطرة المحظور تشغيل وتدريب الأطفال بها حتى سن 18 سنة، مثل صناعات البترول والإسفلت والتبغ والبلاستيك وأعمال البناء والخدمة المنزلية وشحن البضائع.
  • إنشاء وحدة مكافحة عمل الأطفال بوزارة القوى العاملة بهدف رصد كافة المشكلات والمعوقات والعمل على حلها، فضلا عن تشكيل وحدات فرعية بالمحافظات على مستوى الجمهورية.
  • إصدار دليل الخدمات العامة لحماية الأطفال ودعم الأسرة في المحافظات المستهدفة الذى يهدف إلى تعريف المواطنين بالخدمات التي تقدمها الوزارات والجهات المختلفة للأسر من خدمات صحية وتعليمية واجتماعية.
  • تنظيم ندوات توعوية من قبل فريق عمل التفتيش بمديريات القوى العاملة.

التنمية من أجل القضاء على عمالة الأطفال

تحديات

ثمة تحديات تمثل عائقا في الحد من ظاهرة عمالة الأطفال، وفق تقرير نشره المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية؛ أولها البعد الاقتصادي، خاصة مع النمو السكاني المطرد الذي ينتج عنه انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي، وبالتالي انخفاض مستوى المعيشة؛ مما يؤدي إلى التسرب من التعليم ونقص مظلة الحماية الاجتماعية، وهو ما يدفع الأطفال إلى سوق العمل.

ويمثل البعد الاجتماعي ثاني التحديات -حسب التقرير البحثي الذي حمل عنوان “التنمية من أجل القضاء على عمالة الأطفال”- حيث تدفع مشاكل التفكك الأسري إلى اتجاه الأطفال للعمل من أجل الهروب من المنازل، بجانب تواضع المستوى الثقافي للأسرة، وانخفاض المستوى التعليمي للوالدين، وبالتالي تنظر الأسرة للعمل بوصفه أولوية عن التعليم.

ويتعلق التحدي الثالث بصاحب العمل الذي يقدم على تشغيل الأطفال بسبب تدني أجورهم، بالإضافة إلى التخلي عن الشروط والالتزامات المتعلقة بالتأمين الصحي والاجتماعي والضرائب وتوفير ظروف وشروط عمل ملائمة لهم.

 

وذكر التقرير عدة عقبات تساعد في تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال ويستوجب تذليلها من خلال:

  • تحديث البيانات المتعلقة بعمالة الأطفال في مصر للمساعدة في دراسة الظاهرة بشكل أكثر واقعية.
  • توفير البيانات الخاصة بعدد الأطفال المنخرطين في العمل المنزلي، وتوفير نظام رقابة وإشراف لهذا النمط من الأعمال.
  • توسيع مظلة الحماية الاجتماعية التي تضمن عدم لجوء الأسرة محدودة الدخل لعمل الأطفال وضمان عدم تسريبهم من العملية التعليمية.
  • الاهتمام بتأهيل موارد بشرية متخصصة في مجال حماية الأطفال بوجه عام وعمالة الأطفال بوجه خاص.
  • تعديل التشريعات التي تجيز عمل الأطفال في مجال الزراعة.
  • إدماج منظمات المجتمع المدني بشكل أكبر في عملية التصدي لظاهرة عمالة الأطفال.
  • توفير المراكز التعليمية المهنية البديلة للأطفال العاملين الذين تسربوا من العملية التعليمية.
الحكومة المصرية تستهدف القضاء على عمالة الأطفال في عام 2025 (الجزيرة)

عمل مشروط

في هذا السياق، أثنت رئيسة مركز أسرتي للاستشارات الأسرية والاجتماعية منال خضر على سعي الحكومة لحماية الأطفال من مخاطر العمل، مؤكدة في الوقت نفسه أن السياسات الاقتصادية الحكومية هي التي تؤدي لتفاقم ظاهرة عمالة الأطفال.

وفي حديثها للجزيرة نت، قالت خضر إن توفير عيشة آمنة اقتصاديا للطفل تأتي أولوية قبل وضع الخطط والقوانين لمنع ظاهرة عمالة الأطفال، مشيرة إلى أن الأوضاع الاقتصادية لكثير من الأسر المصرية لا تسمح بانتظام أولادهم في المدرسة.

وتبلغ نسبة الفقر في مصر 29.7%، وفق آخر إحصاء للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

وأضافت أن المدرسة أصبحت عبئا على الأسرة؛ فقد ارتفعت المصروفات التعليمية رغم مجانية التعليم، وأصبح لزاما أن يحصل التلميذ على دروس خصوصية، وهو ما يؤدي إلى تسرب التلميذ من المدرسة، ومن ثم ينخرط في سوق العمل.

 

وأوضحت أن مصر من بين أعلى الدولة بالنسبة لنسب تسرب الطلاب من التعليم، ووصلت أعداد الطلاب المتسربين من التعليم في المرحلتين الابتدائية والإعدادية عام 2021 نحو 68 ألف طالب.

ورغم المخاطر التي تشملها عمالة الأطفال، فإن المستشارة الأسرية ارتأت جانبا إيجابيا يمكن التعاطي معه بشروط محددة، موضحة أن العمل يصقل شخصية الطفل ويعلمه تحمل المسؤولية ويمنحه خبرة حياتية وصنعة مستقبلية.

واشترطت أنه “لا بد أن يكون العمل مراعيا سن الطفل ومن دون إجبار، ولا يسبب الإجهاد أو الإعياء، بل يجد فيه الطفل متعة ما”.

ودللت خضر على حديثها بأن الحكومة المصرية في عهود سابقة كانت تمنح طلاب المناطق الريفية المشتهرة بزراعة القطن إجازة استثنائية لمعاونة أهاليهم في حصد محصول القطن.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة

About Post Author