معقل الإصلاحيين.. كيف بدت جولة الانتخابات في حُسينية الإمام الخميني؟
طهران- تمثل حسينية جماران (شمالي العاصمة طهران) مقصدا لكبار التيار الإصلاحي، وهي التي ارتبط اسمها بمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني، وتقع بجانب منزله القديم في قرية جماران الجبلية، وشهدت أهم محاضراته بعد انتصار الثورة عام 1979.
ومن اللافت أنها أصبحت اليوم معقلا للإصلاحيين، وتضم اجتماعات مهمة لقادة التيار، كما باتت أهم مركز يقصدونه في الانتخابات الرئاسية، وكان في مقدمتهم في هذه الانتخابات الأخيرة زعيم التيار الإصلاحي والرئيس الأسبق محمد خاتمي.
ويعزو بعض الإيرانيين السبب في ذلك إلى أن عائلة الإمام الخميني أصبحوا من الإصلاحيين ومنتقدي الدولة العميقة المحافظة في إيران، بينما يؤكد حسن الخميني (حفيد الإمام الخميني) للجزيرة نت أن “حسينية جماران للجميع وليست للإصلاحيين فقط”.
إجراءات استثنائية
حضرت الجزيرة نت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية اليوم في حسينية جماران، التي تنافس فيها كل من المرشحين الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ سعيد جليلي، حيث بدا الإصلاحيون وهم يدلون بأصواتهم وكأنهم يعدون للفوز الكبير، فقد كانت نسبة المشاركة في هذه الجولة من الانتخابات ضعفي الجولة الأولى في الجمعة الماضية.
ساد الوضع الأمني في الحسينية، فكل من دخلها سواء للتصويت أو للتغطية الإعلامية تم تفتيشه تفتيشا كاملا، وفي بعض الحالات تحفظت قوات الأمن على بعض الأغراض، مثل أي شيء يشير إلى الدعايات، وأعادوها لأصحابها عند الخروج من الحسينية، بينما لم يُلاحظ وجود مثل هذه الإجراءات في أي مركز اقتراع آخر في طهران.
وعند الساعة العاشرة صباحا، دخل محمد خاتمي إلى جماران، متوجها إلى الصندوق ليدلي بصوته، وخرج من دون الحديث للإعلام، بينما ضجت الحسينية بشعار “التحية لخاتمي”، وهنا تبين أن كل الحضور من التيار الإصلاحي، وكان من بينهم من وقف في الدور لمدة ساعتين في محاولة للاقتراب من الرئيس السابق.
لم يتعدَ زمن بقاء خاتمي 5 دقائق، وبعد أن غادر دخل حسن الخميني رفقة نجله أحمد، ويُعرف الأخير بأنه “إصلاحي حقيقي”، إذ إن له مواقف صريحة تجاه خاتمي ومير حسين موسوي، المرشح الإصلاحي للرئاسة عام 2009 الذي ما زال رهن الإقامة الجبرية منذ ذلك الحين.
عادت الأصوات لترتفع قائلة “سلام على الخميني، تحية لخاتمي”، وفي هذه الأثناء قال حسن الخميني -للجزيرة نت- إن نسبة المشاركة تحدد قدرة الرئيس المنتخب، متمنيا أن يكون اليوم “عرسا وطنيا وغدا يوم الوفاق”، كما أكد أن الغاية الأهم هي “الحفاظ على النظام الإسلامي وسلامته في البلاد”.
ومن جانبه، أشار أحمد الخميني إلى أن نسبة مقاطعي الانتخابات في الجولة الأولى بلغت 60% ممن يحق لهم التصويت، وعلق على ذلك في حديثه للجزيرة نت بأن هؤلاء المقاطعين أوصلوا رسالتهم بوضوح، وقالوا إنهم يعترضون على السياسات التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه، “وعلى السلطات أن تسمع هذه الرسالة، كما يتوجب على الرئيس القادم أن يتعامل معهم، وأن يلبي مطالب جميع الإيرانيين”.
الأغلبية المقاطعة
ركّز الإصلاحيون على الفئة التي قررت مقاطعة الانتخابات، وأكد المفكر الإصلاحي سعيد ليلاز أن الإصلاحيين يمتلكون برنامجا معينا للتعامل مع هذه الفئة التي مثلت الأغلبية، معتبرا أن النظام بأكمله لديه برنامج للتعامل معهم، وأرجع ذلك إلى تأييد أهلية المرشح بزشكيان.
وفي أثناء انتظار دوره للإدلاء بصوته في جماران، تابع ليلاز حديثه للجزيرة نت قائلا إنه في حال فوز بزشكيان بالانتخابات سيبدأ سريعا بمعالجة الأزمة الاقتصادية وتقليل الفجوة الاجتماعية والثقافية بين النظام والشعب.
وفي إشارة إلى حديث المرشد الأعلى علي خامنئي قبل يومين، الذي أكد فيه على ضرورة التعامل مع قضية مقاطعة الأغلبية، رأى ليلاز أن النظام بأكمله مستعد لترميم الفجوات بينه وبين الشعب.
كما رأى أن الاحتجاجات المتعلقة بالشابة الإيرانية مهسا أميني عام 2022 كانت هي السبب الرئيس للمقاطعة، إلى جانب أسباب مهمة أخرى، وأضاف قائلا “لو لم يكون هناك مرشح إصلاحي، لكانت المشاركة أقل من 25%”.
كما أوضح السياسي الإصلاحي محمد رضا عارف، الذي حضر إلى جماران رفقة زوجته للإدلاء بصوته، أنه منذ احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009، لاحظت السلطات أن هناك فجوة بينها وبين الشعب، وحاولت ترميمها من خلال استقطابه لصناديق الاقتراع، لكنها أخفقت في ذلك.
ويرى عارف -في حديثه للجزيرة نت- أن البلاد انقسمت اليوم إلى 3 فئات: إصلاحيين ومحافظين مشاركين في الانتخابات، وأغلبية لم تشارك فيها، مؤكدا أنه يجب على الرئيس القادم أن يحاور المقاطعين وأصحاب الفكر الآخر، “لا سيما أن الانتخابات اليوم بين اتجاهين معاكسين”.