مقال بفورين بوليسي: هل ما يزال استخدام الأسلحة النووية من المحرمات؟
حذرت أستاذة علوم سياسية أميركية من أن المخاوف من اندلاع حرب نووية بين الولايات المتحدة وروسيا قد عادت بشدة بعد أن كانت قد انحسرت إثر إعلان ميخائيل غورباتشوف -آخر زعيم للاتحاد السوفياتي- في يونيو/حزيران 1991 أن “خطر نشوب حرب نووية عالمية قد تلاشى تقريبا”.
وشددت نينا تانينوالد -وهي أستاذة في جامعة براون الأميركية- في مقالها بمجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) الأميركية، على أن العالم بات أقرب إلى استخدام الأسلحة النووية بدافع من اليأس أو بالخطأ أو بسوء تقدير؛ أكثر من أي وقت مضى منذ أوائل الثمانينيات، وذلك نتيجة لما وصفته بالغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا وبسبب تلويح المسؤولين الروس بالنووي بشكل مثير للقلق.
ورأت العالمة السياسية -وهي مؤلفة كتاب بعنوان “المحرمات النووية”- أن الحرب الروسية الأوكرانية بمثابة تذكير قاسٍ ببعض الحقائق القديمة حول الأسلحة النووية، والتي تؤكد أن هناك حدودا للحماية يوفرها الردع النووي.
وأعادت الكاتبة إلى الأذهان حقيقة أن العديد من القادة العسكريين والسياسيين الأميركيين، وكثيرا من العامة، توقعوا أو انتابهم خوف -خلال العقود الأولى من انتهاء الحرب العالمية الثانية- من العودة إلى استخدام الأسلحة النووية.
هاجس الحرب النووية يستبد بالأميركيين
وأضافت أن هاجس اندلاع حرب نووية في أي لحظة استبد بالمجتمع الأميركي، حتى إنه بُنيت سراديب ضد الإشعاعات النووية تحت العديد من المباني التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة، بما في ذلك المدارس والمطارات وحتى النُزل (الموتيلات).
وحاول إستراتيجيون عسكريون -مثل الأميركي “هيرمان كان”- في السابق إقناع الناس بضرورة “التفكير في ما لا يمكن تصوره”؛ وهو كيفية خوض حرب نووية والخروج حيا منها.
وأوضحت تانينوالد في مقالها أن أحداثا مثل أزمة الصواريخ الكوبية جعلت تلك المخاوف حقيقية تماما، فعلى مدار 13 يوما في أكتوبر/تشرين الأول 1962، كان العالم أقرب ما يكون إلى حرب نووية. واعتقد الكثير من الناس في ذلك الوقت أن العالم على وشك أن ينتهي جراء الإشعاعات الذرية الناجمة عن الانفجارات النووية.
وخلال نفس الفترة -تقول الأستاذة الجامعية- تطورت قواعد ضبط النفس، وظهر مصطلح حظر الاستخدام الأول للأسلحة النووية؛ نتيجةً لمصالح إستراتيجية ومخاوف أخلاقية.
ونشطت حركة شعبية عالمية مناهضة للأسلحة النووية، إلى جانب الدول غير النووية والأمم المتحدة، لوصم الأسلحة النووية بأنها أسلحة دمار شامل غير مقبولة.
توازن الرعب
وإثر الخوف الذي شاع إبان أزمة الصواريخ الكوبية، سعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي أيضا إلى إبرام اتفاقيات للحد من التسلح من أجل المساعدة في استقرار “توازن الرعب”.
وساهمت قواعد ضبط النفس تلك هي الأخرى في إرساء تقاليد بعدم استخدام الأسلحة النووية، وهو إرث امتد لقرابة 77 عاما حتى الآن والذي يعد أهم سمة في العصر النووي، كما جاء في مقال فورين بوليسي.
غير أن معظم اتفاقيات الحد من الأسلحة تلك -وفق تانينوالد- مُزّقت، وعادت الدول النووية للانخراط في سباق لتسلح باهظ التكلفة، حتى إن العالم يعيش حاليا في فترة من التجاوزات النووية بدلا من ضبط النفس.
كل هذا يقودنا -وفق الكاتبة- إلى اللحظة الراهنة؛ حيث يقفز سؤال كبير فجأة إلى أذهان الجميع وهو هل يشارك القادة الروس الجميع نفس المحرّمات (من الأسلحة)؟ وهل سيستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سلاحا نوويا في حرب أوكرانيا؟
بوتين أطلق تهديدا مستترا
وفي إجابتها عن السؤال السابق، تقول أستاذة العلوم السياسية إن بوتين يريد بالتأكيد أن يعتقد العالم -وخاصة الولايات المتحدة- أنه قد يفعل ذلك. ففي اليوم الذي أعلن فيه عن بدء “عملية عسكرية خاصة” في أوكرانيا، حذر الرئيس الروسي من أن أي دولة تحاول التدخل في الحرب ستواجه “عواقب لم تشهدها في تاريخها”، وهو ما اعتبره الكثيرون تهديدا نوويا مستترا.
وبرأي الكاتبة، فإن المحتمل أن يكون المقصود من تلك التهديدات ردع حلف الناتو أكثر من كونه تلويحا باستخدام الأسلحة النووية فعلا، ذلك أن روسيا لم ترفع مستوى التأهب لقواتها النووية.
ومن المؤكد -تضيف تانينوالد- أن المسؤولين الروس يدركون أن أي استخدام للأسلحة النووية سيكون له عواقب وخيمة على روسيا وبوتين نفسه. ورغم ذلك، فإن خطر استخدام الزعيم الروسي لسلاح نووي ليس منعدما كليا، فكلما طال أمد الحرب زادت تلك المخاطر.
الغرب لم يرد على تهديدات بوتين النووية
ووفقا لمقال المجلة الأميركية، لم ترد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) بالمثل على تصريحات المسؤولين الروس التي تحمل في طياتها تهديدات نووية. فكل ما قامت به واشنطن والحلف الأطلسي هو إرسال كميات ضخمة من الأسلحة التقليدية إلى أوكرانيا، وتوعدا بملاحقة المتورطين بارتكاب جرائم في الحرب الروسية.
وعلى الرغم من الدعوات من هنا وهناك داخل الولايات المتحدة لإقامة “منطقة حظر جوي” فوق كل أوكرانيا أو بعض أجزاء منها؛ فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قاومت ذلك بحكمة.
ولعل إنشاء منطقة حظر طيران من ذلك النوع قد يعني، من الناحية العملية، إسقاط طائرات روسية؛ مما قد ينذر بإشعال حرب عالمية ثالثة، برأي تانينوالد.
وتضيف الكاتبة أن ضعف أداء الجيش الروسي أغرى صقور وزارة الدفاع الأميركية بتغيير الأهداف من مجرد المساعدة في منع هزيمة أوكرانيا إلى إضعاف روسيا.
وتحذر من أن استغلال الحرب لترسيخ الهيمنة الأميركية لا تعدو أن تكون لعبة خطيرة.