مقال بنيوزويك: حرب بوتين تعمق الانقسام على أساس ديني في روسيا
بعد أكثر من 7 أشهر، تسببت الحرب الروسية المتعثرة في أوكرانيا في مشاكل كبيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حاول التعويض عنها بسلسلة من القرارات السياسية، بما في ذلك “تعبئة جزئية” للشعب الروسي واستفتاءات مرحلية في 4 مناطق أوكرانية وتهديد نووي موجه إلى الغرب، وهدفه من كل ذلك هو دعم موقفه المتآكل. لكن تفاصيل خطة بوتين تنطوي على خطر خلّف مشاكل محلية كبيرة.
وفي هذا السياق، وصف إيلان برمان، النائب الأول لرئيس مجلس السياسة الخارجية الأميركي في واشنطن (American Foreign Policy Council)، حملة بوتين للتعبئة بأنها مسعى لا يحظى بشعبية كبيرة، وقد أدت إلى نزوح حقيقي لنحو 3 أرباع مليون روسي منذ الإعلان عنها في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي.
وأضاف برمان، في مقاله بمجلة “نيوزويك” (Newsweek) الأميركية، أن هذه التعبئة تؤدي أيضا إلى تفاقم الانقسامات الطائفية داخل روسيا نفسها، أي بين “الأغلبية السلافية في البلاد والطبقة الدنيا المسلمة المتنامية”.
ولفهم سبب ذلك، يرى الكاتب أن من الضروري أولا فهم التركيبة السكانية لروسيا والتي تتميز بالاضطراب الشديد، فقد كانت البلاد على مسار انخفاض مستمر في عدد السكان منذ عقود، ولم تفلح مبادرات الكرملين المتنوعة لزيادة معدل المواليد على المستوى الوطني في تحقيق النجاح المرجو.
مسلمو روسيا
ومع ذلك -يقول الكاتب- فإن هذا التراجع ليس منتظما، إذ إن أداء أجزاء من سكان البلاد -وهم مسلمو روسيا في معظمهم- يسير بشكل جيد نسبيا، ويُصنفون بأنهم الأقلية الأسرع نموا في روسيا، حيث ترتفع معدلات مواليدهم بشكل كبير على المستوى الوطني، وبحلول عام 2034 يتوقع أن يشكل المسلمون 30% من سكان روسيا.
منع علماء الدين في جمهورية أوزبكستان السوفياتية السابقة المسلمين من المشاركة في الصراع الروسي. وهناك دلائل على أن السخط من حرب أوكرانيا قد يؤجج الميول الانفصالية المتأصلة منذ زمن بعيد في جمهوريات شمال القوقاز ذات الغالبية المسلمة
ولفت برمان إلى أن المسلمين لا يحظون بالمكانة التي يتوقون لها، فقد سارت روسيا على مدى العقد الماضي في اتجاه استبدادي وقومي متطرف بشكل متزايد، لا يتسامح كثيرا مع المواطنين من أعراق أو أديان مختلفة. ونتيجة لذلك، تصاعدت ظاهرة كراهية الأجانب محليا، مما أدى إلى شعور بالغربة بين المجتمعات المسلمة في روسيا. كما ساعدت سياسات موسكو في الشرق الأوسط، ولا سيما تدخلها العسكري لدعم النظام السوري، في تطرف جزء كبير من هذه الفئة من السكان، حسب رأي الكاتب.
والآن حرب بوتين على أوكرانيا تفاقم الأمور، حيث تهدف التعبئة الجزئية للكرملين، نظريا، إلى استدعاء محدود لجنود الاحتياط بغض النظر عن العرق. ومع ذلك، من الناحية العملية تتحمل الأقليات في البلاد، وخاصة المسلمين، وطأة المجهود الحربي الروسي، وتعاني من خسائر غير متناسبة نتيجة لذلك.
تعميق الانقسام الداخلي
وهذا ما لاحظه سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أوليكسي دانيلوف بأن “غالبية الذين حُشدوا هناك ممثلون عن العالم الإسلامي. جريرتهم أنهم ولدوا على أراضي الاتحاد الروسي، وخاصة في تتارستان وداغستان وغيرهما من المجتمعات الإسلامية”.
وتابع الكاتب أن كل ذلك بدأ يولّد ردودا عنيفة، سواء من الأقلية المسلمة في روسيا نفسها أو من أتباع الديانات الأخرى في المنطقة. فعلى سبيل المثال، كانت جمهورية داغستان ذات الأغلبية المسلمة في شمال القوقاز ساحة لبعض أكبر الاحتجاجات حتى الآن ضد أمر تعبئة بوتين.
ومنع علماء الدين في جمهورية أوزبكستان السوفياتية السابقة المسلمين من المشاركة في الصراع الروسي. بل إن ثمة دلائل على أن السخط من حرب أوكرانيا قد يؤجج الميول الانفصالية المستمرة منذ زمن طويل في جمهوريات شمال القوقاز ذات الغالبية المسلمة.
وبعبارة أخرى، في إطار جهوده لحل مشكلة واحدة، وهي رفع الروح المعنوية والقوة البشرية لحملته في أوكرانيا، تمكن فلاديمير بوتين من خلق مشكلة أخرى، كما أن سياساته ساهمت في تعميق الانقسام الداخلي بين الحكومة الروسية والأقلية الأسرع نموا في البلاد، وفقا للكاتب.