لندن- حالة من الاضطراب تشهدها بريطانيا بسبب الإضراب الثاني للأطباء المبتدئين والذي يصل إلى 96 ساعة، وسط مخاوف من تسببه في تهديد سلامة المرضى، فضلا عن مضاعفة أزمة قوائم انتظار المرضى.

يأتي الإضراب وسط مطالب للأطباء المبتدئين بزيادة الأجور بنسبة 35% بعد سنوات من عدم تلقي أي زيادات، بالإضافة إلى التضخم الذي أدى إلى تراجع القدرة الشرائية لرواتب هؤلاء إلى 26% إذا ما قورنت بـ 10 سنوات مضت.

 

وتبدأ رواتب الأطباء المبتدئين بالمملكة المتحدة سنويا من 29 ألف جنيه إسترليني (حوالي 36 ألف دولار أميركي) مقارنة بنحو 41 ألف إسترليني لنظرائهم بالولايات المتحدة و60 ألفا في أستراليا.

وبحسب موقع “وايز” المالي، تحتاج أسرة مكونة من 4 أفراد إلى 38 ألف جنيه لتغطية تكاليف العيش المتوسط بالمملكة المتحدة، مما دفع الأطباء المبتدئين للموافقة بأغلبية 98% على الإضراب الذي نظمته الجمعية الطبية البريطانية “بي إم إيه” (BMA) الممثلة للأطباء.

إضراب الأطباء المتدربين من أمام مستشفى رويال ساسكس ببرايتون.
رواتب الأطباء المبتدئين في بريطانيا سنويا تبدأ من 29 ألف جنيه مقارنة بنحو 41 ألفا لنظرائهم بأميركا (الجزيرة)

آثار كارثية متوقعة

سيؤدي الإضراب إلى إلغاء عمليات الولادة القيصرية وزيادة أعداد المرضى المحتجزين، وتأخير في الجنازات حيث لن يتوافر أطباء لإصدار شهادات الوفاة، ويقدر رؤساء المستشفيات أنه من المحتمل إلغاء ما لا يقل عن 350 ألف عملية روتينية، وتتوقع المستشفيات أن يتولى نصف عدد الاستشاريين تغطية عجز نوبات الأطباء المبتدئين، مما سيؤدي إلى تعطيل غير مسبوق في العيادات التخصصية.

وذكرت هيئة الخدمات الصحية الوطنية “إن إتش إس” (NHS) أن تأثير الإضراب سيمتد صداه لأشهر قادمة في قوائم الانتظار التي وصلت لنحو 8.3 ملايين مريض، في حين تصل مدة انتظار بعض التخصصات الطبية إلى 18 أسبوعا.

وسجلت “إن إتش إس” أسوأ مدة انتظار لمرضى الأزمة القلبية (وصلت لحوالي 90 دقيقة) بينما يفترض أن يكون متوسط انتظار مريض الجلطة والأزمة القلبية ببريطانيا 32 دقيقة، في حين وصلت مدة انتظار المرضى الذين لا يواجهون خطرا على الحياة 4 ساعات في غرف الطوارئء خلال أيام العمل المعتادة والتي لا تشهد أي إضرابات.

 

ومن أجل تخفيف وطأة الإضراب على المرضى، تم نشر تحذير للمواطنين -أمس الاثنين- لتجنب زيارات المستشفيات والطوارئ غير الضرورية وتجنب زيارة الطوارئ، إلا في حالات الخطر على الحياة لتقليل الضغط على غرف الطوارئ.

وفي تسريبات نشرتها صحيفة “إندبندنت” (Independent) البريطانية، حذر قسم الصحة والرعاية المجتمعية التابع للحكومة “دي إتش إس سي” (DHSC) الأسبوع الماضي من انخفاض مستويات العمالة، وتأثير ذلك على خدمات الرعاية الحرجة لكل من البالغين والأطفال، حيث لن يتلقى المرضى الأدوية والتقييمات الدورية في مواعيدها المحددة، لا سيما مستشفيات الجنوب الغربي التي تشهد عجزا حادا في عدد الطواقم الطبية.

ويتوقع الرئيس التنفيذي لهيئة الخدمات الصحية الوطنية ماثيو تايلور إلغاء ما يصل إلى 350 ألف موعد وعملية نتيجة للإضراب، وأضاف أنه لا فائدة من إخفاء حقيقة أنه ستكون مخاطر على سلامة المرضى وكرامتهم.

إضراب الشهر الماضي أدى إلى تأجيل 175 ألف موعد وعملية طبية في بريطانيا (رويترز)

احتياطات سلامة المرضى

في هذا السياق، أوضحت لطيفة باتيل رئيسة القوى العاملة بالجمعية الطبية البريطانية (British Medical Association) أن المرضى يعانون من تجربة دون المستوى، بسبب هيئة الخدمات الصحية الوطنية التي تعاني من الإجهاد والنقص الحاد في المعدات وأعداد الطواقم الطبية، بشكل منفصل عن الإضراب.

وفي حديثها للجزيرة نت، أضافت باتيل أنه خلال الإضراب السابق عملت الهيئة الوطنية للصحة، بالتعاون مع اتحادات الصحة في إنجلترا، على تقييم استعداد المستشفيات للإضراب المخطط له، وأوضحوا أن هناك نظاما متفقا عليه لضمان سلامة المرضى في حالة الظروف القصوى وغير المتوقعة.

وأردفت باتيل “التقينا 4 مرات يوميا خلال الإضرابات الأخيرة لمراقبة الوضع والتأكد من سلامة المرضى، لكن لم تكن هناك طلبات لاستثناء تدفع لدراسة وقف الإضراب، ولذلك سنقوم بتطبيق نفس الترتيبات التي أثبتت جدواها المرة الماضية”.

 

وأكدت أن الأطباء المبتدئين لا يرغبون في الإضراب، وأن تقاعس الحكومة طويل الأمد هو ما دفعهم للإضراب، مشيرة إلى رغبتهم في إنهاء هذا النزاع بأسرع وقت، وأن الجمعية تأمل أن يأتي وزير الصحة إلى الطاولة على الفور مع عرض واقعي حتى يتمكن الأطباء من تجنب المزيد من الإضراب والعودة  إلى رعاية مرضاهم.

محاولات حكومية

بدوره، وصف وزير الصحة ستيف باركلي مطالب الأطباء المبتدئين بأنه غير واقعي، وأن هذه الإضرابات تم التخطيط لها لإحداث زعزعة في أمن واستقرار البلاد، بينما قدمت الحكومة مشروع قانون يتعلق بإجراءات عقابية للمضربين حال لم تلتزم المؤسسات التي تعمل في مجال الطوارىء بالحدود الدنيا لتشغيل القطاعات الطارئة.

من جانبها، اعتبرت المؤسسات النقابية قانون الإضراب إهانة لحقوق الإنسان ببريطانيا، لكن هذه المعارضة لم تمنع البرلمان من المضي قدما بتفعيل القانون الذي وصل لمرحلته قبل الأخيرة قبيل الشروع في تنفيذه، مطالبين بضرورة التوازن بين حقوق العمال في الإضراب وقدرة المواطنين على الوصول للخدمات الحيوية.

وكانت الحكومة قد قدمت في 16 مارس/آذار الماضي عرضا -بعد محادثات مطولة مع الاتحادات الصحية- شمل أكثر من مليون موظف من الطواقم الطبية العاملة بالهيئة الوطنية للصحة لتلقي 6% زيادة إضافية في الأجور.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال المسؤول الإعلامي بإدارة الاتصالات والسياسات بالجمعية الطبية البريطانية فريد ماينارد إن هذه المفاوضات لم تشمل الأطباء بالكلية كـ “مبتدئين وأخصائيين واستشاريين وممارسين عموم” وما قُدم كان عرضا لطواقم التمريض والإسعاف، ولم يتم تضمين الجمعية الطبية في أي مفاوضات جادة حتى اللحظة.

 

 

تهديد الأطباء الدوليين

الأزمة تصاعدت أيضا في الرابع من أبريل/نيسان الجاري، حين تم تسريب رسالة نصية تحذر الأطباء الدوليين العاملين باتحاد “لوشيام وغرينتش” (Lewisham and Greenwich NHS Trust) من المشاركة في الإضراب، وتهددهم بعدم تجديد عقودهم وتأشيراتهم، الأمر الذي أثار غضب قطاعات عريضة من الأطباء والجمعية الطبية ببريطانيا.

من جهته، أكد المكتب الإعلامي للجمعية الطبية البريطانية (BMA) للجزيرة نت أن هذا الأمر غير مقبول، وأنهم قد أصدروا بيانا يطمئن الأطباء الدوليين الذين قد يشعرون بالقلق، وحثوا فيها الأطباء إبلاغ الجمعية الطبية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لحمايتهم.

في المقابل، غرد الحساب الرسمي لاتحاد “لوشيام وغرينتش” -وهو واحد من 219 اتحادا وصندوقا بالهيئة الوطنية للصحة بالمملكة المتحدة، نافيا أن الرسالة تمثل الرأي الرسمي، معللين ذلك بأنها رسالة فردية أطلقها موظف بشكل شخصي على مجموعة “واتساب” غير رسمية تضم الموظفين، ودعت الأطباء لعدم القلق حيال موقفهم من الإضراب.

المصدر : الجزيرة

About Post Author