يبلغ مورغان فريمان -بداية يونيو/حزيران المقبل- 85 عاما، قضى نحو نصفها في الظل، وتحول في النصف الثاني إلى واحد من أساطير التمثيل والأداء الصوتي في العالم، وحصل على جائزة أوسكار ضمن عدد كبير من الجوائز عن أدائه التمثيلي في الأفلام الدرامية وعن أدائه الصوتي في أفلام وثائقية بلغت أكثر من 20 فيلما.

يعيش النجم الثمانيني بين استوديوهات التصوير والتسجيل الصوتي وجلسات العمل الخاصة بشركته للتوزيع السينمائي والإنتاج التلفزيوني، ويتحرك بواحدة من 3 طائرات خاصة يمتلكها ويقودها بنفسه.

 
 

لم يبدأ فريمان كغيره من ممثلي هوليود الذين نشأ أغلبهم تحت رعاية ذويهم لمواهبهم، رغم اكتشاف موهبته مبكرا، فقد كان أبواه مشغولين بالأفواه الجائعة لأسرة يبلغ عددها 7 أفراد، وبالكاد تجد قوت يومها وتعاني قوانين الفصل العنصري التي كانت سائدة آنذاك.

الأب “حلاق” والأم “معلمة” والأسرة سليلة الجذور الفقيرة تعيش في مدينة ممفيس بولاية تينيسي. اكتشف فريمان الذي يعني لقبه بالإنجليزية (رجل حر) أن جده الأكبر استُعبد بعد خطفه من النيجر في أفريقيا في أوائل القرن الماضي.

فقر وكفاح

منذ أن كان عمره 12 عاما وهو يرغب في التمثيل، لكن فكرة الطيران استهوته، فرفض منحة لدراسة الفن والتحق بالجيش بعد دراسته الثانوية ليعمل ميكانيكي رادار في الجيش الأميركي لنحو 5 أعوام من 1955 حتى 1959، ويكتشف حينها الفارق بين أن يحب الشخص الفكرة وأن يحب العمل نفسه، فيستقيل، ويبدأ رحلة نحو حلم غامض بلا تفاصيل اسمه التمثيل.

 

يقول النجم الأكثر احتراما في هوليود -الذي تبلغ ثروته حاليا 150 مليون دولار- لإحدى الصحف “هل كان هناك ما ينبئ عن كوني سأصبح ممثلا مشهورا أو ما شابه؟ بالعكس تماما، كانت الكثير من الإشارات ترشحني أن أكون مشردا، أو سائق شاحنة أو تاكسي، أي واحدة من تلك المهن التي يصبح خلالها الشخص خامل الذكر تماما”.

خاض مورغان الشاب رحلة من الكفاح، ألقت به على حافة اليأس في أوقات كثيرة، فهو شاب معدم تقريبا ومن أصول أفريقية، وفي ستينيات القرن الماضي، مما يعني معوقات كثيرة في مجتمع لم يتخلص بعد من العنصرية ضد السود والملونين.

 

لم ترحب هوليود بالشاب القادم حاملا حلمه، فانتقل إلى نيويورك بحثا عن عمل، وبعد سنوات من الكفاح وجد فرصا للعمل في العرض المسرحي “أهلا دولّي” (Hello Dolly) عام 1967، ثم عمل في العرض التليفزيوني “الشركة الكهربائية” (The Electric Company) الذي استمر لـ4 أعوام، إلى جانب عروض مسرحية عمل بها على التوازي.

البشارة 

كانت البشارة في عام 1980، حين قدّم فيلم “بروباكر” (Brubaker)، ولكن الفيلم الذي دفع به نحو القمة هو “ذكاء شارع” (Street Smart) عام 1987، الذي تدور أحداثه حول صحفي يختلق قصة عن قواد يرتكب العديد من جرائم القتل، وتصدقها الشرطة، بينما يطارده قواد مشهور بالعنف ليعرف مصدره، ويدرك الصحفي أنه تورط مع الأطراف الثلاثة، الصحيفة والشرطة والقواد. تلقى فريمان أول ترشيح له للأوسكار عن هذا الدور، الذي مهد الطريق لأفلام أخرى.

 

في عام 1989، قدم فيلمه الأهم “توصيل الآنسة ديزي” (Driving Miss Daisy)، ليتم ترشيحه للأوسكار للمرة الثانية، ويفوز عنه بجائزة “غولدن غلوب”، وفي العام نفسه قدم فيلم “مجد” (Glory)، والذي يعده فريمان أهم أفلامه.

كانت تسعينيات القرن الماضي هي فترة المجد التي حقق خلالها مورغان فريمان أحلاما تجاوزت خياله، فقد حصل على عشرات الجوائز عن أفلام “غير مغفور” (Unforgiven) و”سجن شاوشينك” (Shawshank Redemption) عام 1994، و”سبعة” (Seven) عام 1995، و”أميستاد” (Amistad) عام 1997.

فاز فريمان بأوسكار أفضل ممثل مساعد عام 2005 عن فيلم “طفلة المليون دولار” (Million Dollar Baby) الذي أنتج عام 2004 والذي قدم خلاله دور ملاكم سابق يعمل مساعدا في صالة للتدريب يديرها مدرب متميز، كلينت استوود، الذي أخرج الفيلم أيضا.

وثائقيات

لا يوجد ممثل يملك صوتا بكل هذه القوة والرقة في آن معا سوى فريمان، وقد صبغت هذه المنحة الإلهية مشواره المهني بصبغة خاصة، إذ قدم دور “الراوي” في العديد من أفلامه الدرامية، بالإضافة إلى دوره في العمل، وهو أسلوب مفيد للعمل يستخدمه صناع العمل الدرامي لتحقيق أقصى استفادة من صوت فريمان الفريد من نوعه والمحبب للجمهور، وهو أيضا مساحة لتوضيح ما قد يكون غامضا أو غير مفهوم للمشاهد في النص الدرامي ويظهر ذلك بوضوح في أفلام “سجن شاوشينك” و”طفلة المليون دولار”.

 

ورغم تقديم العديد من نجوم هوليود لأفلام وثائقية بأصواتهم، فإن تجربة فريمان هي الأكثر تكرارا و حضورا، وقد بلغ عدد الوثائقيات التي قدمها 21 فيلما، بينها سلاسل شهيرة مثل “قصة الإله” (The Story of God) 2016-2019، و”الاستعباد وصناعة أميركا” (Slavery and the Making of America) 2014-2015، و”رحلة كونية” (Cosmic Voyage) 1996، و”مسيرة البطاريق” (March of the Penguins) 2005، و”كسر المحرم” (Breaking The Taboo) 2011، ويدور هذا الأخير حول حرب المخدرات التي خاضتها الولايات المتحدة ضد كبار المهربين في الجنوب.

لم يتوقف مورغان فريمان عند التمثيل والإخراج، ولكنه قام بإنشاء شركة للتوزيع السينمائي عبر الإنترنت والإنتاج التليفزيوني، كما امتلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في تينيسي، تبرع منها بنحو 124 فدانا لتكون محمية طبيعية للنحل.

 

تزوج مورغان للمرة الأولى عام 1967من جانيت أدير برادشو، لكنه انفصل عنها بعد أن ساءت أحواله المادية والنفسية إثر انتهاء المواسم الأربعة للعرض التليفزيوني “الشركة الكهربائية” وطلقا عام 1979، وتزوج للمرة الثانية عام 1984 لينفصل في 2007، وفي 2008 نجا من حادث سيارة كاد أن يؤدي إلى حتفه، لكن المأساة الحقيقية التي واجهته كانت عام 2015 حين قُتلت حفيدته على يد صديقها.

 

رغم الصعوبات والميلودراما التي واجهها مورغان فريمان في حياته، فإنها لم تؤثر على عمله، إن لم تكن قد تحولت إلى محفز للإنجاز والسير قدما حتى أن الرجل الذي يحتفل بعيد ميلاده الـ85 ينتظر عرض فيلمين في النصف الثاني من هذا العام.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *