الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) لدى استقبال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالقاهرة (صفحة المتحدث باسم الرئاسة المصرية)

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) لدى استقبال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالقاهرة (صفحة المتحدث باسم الرئاسة المصرية)

القاهرة- في مستهلّ جولة تقوده إلى 4 دول أفريقية تشمل الكونغو وإثيوبيا وأوغندا، اختتم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زيارة استمرت يوما واحدا للقاهرة. فما دلالات الزيارة وأبعادها على المصالح المصرية؟ وما أبرز الملفات التي حملتها في ضوء التوتر والصراع الدولي الراهن؟

بعد لقاءات أجراها مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري الأحد الماضي، أكد لافروف وجود توافق بين البلدين حول قضايا إقليمية ودولية، مشيرا إلى أن اجتماعاته في القاهرة تناولت ملفات التجارة البينية والتعاون التكنولوجي، بما في ذلك مشروع الضبعة النووي والمنطقة الاقتصادية الروسية في قناة السويس.

 

كما طمأن المصريين بشأن مخاوفهم المرتبطة بأزمة الغذاء، مشددا على رفض بلاده ما وصفها بالمزاعم الغربية بأن موسكو تسببت في أزمة غذاء عالمية.

حراك دولي وإقليمي

وفي كلمته أمام مندوبي الجامعة العربية، أشاد لافروف بموقف الدول العربية “المعتدل” تجاه الأزمة الأوكرانية، مشيرا إلى خطط لتعزيز العلاقات العربية الروسية في مختلف المجالات، وعقد دورة سادسة لمنتدى التعاون العربي الروسي.

تأتي زيارة لافروف إلى القاهرة في مستهلّ جولة أفريقية تشمل دولا لديها علاقات متوترة مع الجانب الأميركي -وفق مراقبين- وبعد جولة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة، ومساعي واشنطن في حشد الدول العربية إلى جانب إسرائيل ضد إيران، ورسالة لروسيا والصين بأن واشنطن لا تزال قادرة على حشد حلفائها.

كما تأتي جولة لافروف بالتزامن مع قمة طهران التي جمعت قادة روسيا وإيران وتركيا، والتي ناقشت الملف السوري، إضافة إلى رفع الحظر عن صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، برعاية تركية.

زيارة الوزير الروسي للقاهرة تثير تساؤلات حول أهدافها ومدى استفادة القاهرة منها، وعما إذا كانت هناك تداعيات محتملة قد تواجهها، بخاصة بعد ممارسة سفارات غربية ضغوطا وحثها القاهرة والجامعة العربية على عدم قبول تفسيرات فيما هو مرتبط بالحرب الأوكرانية.

حشد وتكتل

يشير نائب رئيس مركز الفارابي للدراسات (مصري/خاص) المحلل السياسي مختار غباشي إلى أن زيارة لافروف للقاهرة تأتي في ظل علاقات قوية بين البلدين، بخاصة في الشق الاقتصادي المرتبط بالمنطقة الاقتصادية الروسية في قناة السويس ومحطة الضبعة النووية وغيرها من العلاقات التجارية والاستثمارية.

وشدد على أن زيارة لافروف تمثل توضيحا وتأكيدا للموقف الروسي الذي يرى أنه على حق في مسألة الأزمة الأوكرانية، معتبرا أنها زيارة طبيعية تأتي في سياق التسابق الدولي والاستقطاب بين الشرق والغرب.

وأوضح أن العالم العربي أصبح مطلوبا منه موقفا؛ إما أن يكون بديلا للنفط والغاز الروسي، أو أن يتخذ موقفا حياديا يحافظ به على سلسلة علاقاته مع الروس وقدر من العلاقات مع الغرب، ولا يستخدم موارده لخدمة أي من الطرفين.

وبدوره، يقول مدير المركز الدولي للدراسات التنموية والإستراتيجية (مقره كندا)، الأكاديمي المصري مصطفى يوسف، إن روسيا تحاول بناء حشد وتكتل لرأي عام من الدول التي لا تدور بالكامل في فلك الولايات المتحدة، أو التي تحاول التخلص من التبعية التامة لها، مضيفا أن روسيا تنتظر من الجامعة العربية وأفريقيا دعما كبيرا في مواجهة الغرب، لأن لديها الكثير الذي تستطيع تقديمه في ملفات الغذاء والطاقة والسلاح.

بدوره، قال الكاتب الصحفي المصري مجدي حسين إن خطاب لافروف من منبر الجامعة العربية يجسد نقطة تحول رئيسة في الموقف العربي.

وفي مقال على موقعه الإلكتروني، رأى حسين أن ما وصفه بتحول الموقف العربي ليس تجاه الأزمة الأوكرانية فقط، وإنما في التعاطي مع التحالفات الدولية الحالية، والانحياز التدريجي إلى المحور الروسي الصيني الصاعد على وجه الخصوص، وفك الارتباط تدريجيا مع الهيمنة الأميركية، وفق تعبيره.

 

العملات الوطنية

عززت العقوبات الغربية على موسكو من مساعيها لتحييد الدولار الأميركي واليورو في المعاملات التجارية الدولية، لإخراجها من العزلة الاقتصادية، وذلك يثير تساؤلات بشأن مدى قدرتها على اتخاذ خطوات لتوسيع استخدام العملات الوطنية والتخفيض التدريجي لحصتي الدولار واليورو في التجارة المتبادلة مع مصر.

وتعقيبا على ذلك، يقول غباشي إن الروس لديهم إصرار على استخدام الروبل إلى جانب الدولار في بيع النفط والغاز لدعم عملتهم المحلية، وكان ذلك حنكة سياسية حققت مكاسب هائلة، لكنه استدرك بالقول إن مسألة المقايضة بالعملات الوطنية مع مصر مرتبطة بالحاجة الملحّة في المعاملات البينية.

وأوضح أن القاهرة تتعامل مع موسكو في ملف الضبعة النووي، وهو مسألة ضرورية لمصر، ومن ثم ستكون لدى القاهرة وجهة نظر في هذه المسألة (مقايضة العملات المحلية)، بخاصة في ظل الإصرار الروسي بأن العملة المحلية (الروبل) هي أساس التعامل، وبدرجة ما الدولار أو اليورو، في ظل الحرب الدولية الشرسة حاليا.

ومتفقا مع الطرح السابق، يقول يوسف إن الجانب الروسي يحاول تحييد الدولار واليورو في المعاملات التجارية الدولية؛ حتى يخرج من العزلة الاقتصادية، متوقعًا تحقيق تقدم في هذا الملف، بما في ذلك مع الجانب المصري.

وبينما يرى أن العالم الآن أصبح متعدد الأقطاب، شدد يوسف على أن التوازنات الجديدة بما فيها تكتلات مثل مجموعة “البريكس” (تضم حاليا دول الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا) باتت تسمح بهامش مناورة كبير للأنظمة في المنطقة وعلى رأسها مصر.

السد الإثيوبي

فيما يخص إثيوبيا بوصفها إحدى محطات جولة لافروف الأفريقية، وكذلك أبعادها على ملف سد النهضة، يرى غباشي أن إثيوبيا تحمل هدفين للجانب الروسي، الأول باعتبارها مستثمرا كبيرا في السد الإثيوبي، والثاني يخص التوترات في العلاقة بين أديس أبابا وواشنطن فيما هو مرتبط بالنزاع في إقليم تيغراي.

وأضاف أن جولة لافروف الأفريقية تشمل دولا لديها علاقات متوترة مع واشنطن، لخدمة المصالح الروسية في المقام الأول، ولذا فإن ملف السد قد يُبحث لكن من هذا المنظور، ويبقى من المحتمل أن تسهم زيارة لافروف لإثيوبيا في حل للمسألة، لكن يبقى إشكالها الرئيس قائمًا على الإنكار الإثيوبي لحقوق مصر والسودان المائية، وفق قوله.

وهو ما يتفق مع يوسف، مشيرا إلى أن الروس من الممكن أن يسهموا نسبيا في تخفيف الخسارة وتقليل الآثار السلبية المحتملة على مصر، موضحا أن القاهرة تطمح في موقف روسي مؤيد، من خلال تقديم تنازلات في مقابل مساعدتهم في ملف سد النهضة، حسب قوله.

ضغوط محتملة

كانت السفارات الغربية قد مارست ضغوطا على مصر والجامعة العربية، قبيل جولة لافروف، حثتها على عدم قبول تفسيرات فيما هو مرتبط بالحرب الأوكرانية، حسب رويترز.

ومنطلقا مما سبق، توقع غباشي مزيدا من الضغوط بعد الزيارة على مصر والجامعة العربية، موضحا أن الحرب الأوكرانية لم تكتسب مزيدا من الزخم في العالم العربي والأفريقي، والمؤيد لقبول بدائل غربية.

وأضاف أن هناك أجندة دولية وإقليمية جديدة يحاول الروس بناءها، في مقابل مساع غربية لتحييدها ومقاومتها، ومن ثم فإن زيارة لافروف للقاهرة وجولته الأفريقية قد تمهد لممارسة مزيد من الضغوط على مصر.

والتقط يوسف الخيط نفسه، مشيرا إلى أن الرئيس المصري في موقف دقيق جدا نتيجة الأزمة الاقتصادية والتوسع في الاقتراض، والتدهور في ملفات حقوق الإنسان والحريات، وهي آليات قد تشكل ضغوطا غربية على النظام بعد الزيارة الروسية، وهو ما يضع مصر أمام سيناريوهين.

أولهما -حسب المتحدث- أن التقارب مع روسيا قد يخلق لنظام السيسي مخرجا لرفع الضغوط التي تمارسها عليه الإدارة الأميركية، في ضوء أن موسكو لا تبالي بملفات الحريات والديمقراطية، وثانيهما أن أن تدفع الزيارة واشنطن إلى الحذر في التعامل مع السيسي ومحاولة إغرائه في ملفي القروض (ضغوط على صندوق النقد والبنك الدوليين) وكذلك غض الطرف عن ملف حقوق الإنسان في ضوء العلاقة العضوية التي تجمع البلدين بخاصة على المستوى العسكري.

الشريك الرائد

في مقابلة تلفزيونية الأربعاء، وصف لافروف مصر بأنها “الشريك الرائد في القارة الأفريقية”، ويعزز ذلك بالإشارة إلى حجم التبادل التجاري بين البلدين الذي يبلغ نحو 5 مليارات دولار.

وفي هذا الصدد، يشير الباحث المتخصص في النزاعات الدولية والعلاقات الاقتصادية إبراهيم نوار إلى مدى أهمية القاهرة للسياسة الخارجية الروسية وفي مجالات التعاون الاقتصادي والسياسي.

وشدد على أن الزيارة التي شملت لقاء موسعا في الجامعة العربية، وأنها تؤكد أيضًا مدى اهتمام روسيا بتنظيم نشاط دبلوماسي ردا على الحملة الغربية، واتهامها بأنها السبب في أزمات الغذاء والطاقة والتضخم التي يعاني منها العالم.

ومشيرا إلى زيارة لافروف للخليج من قبل، قال نوار إن روسيا تسعى للحصول على تأييد دول الشرق الأوسط وأفريقيا لسياستها، وأن تتفهم هذه الدول حقيقة الموقف الروسي في أوكرانيا.

كما تعدّ روسيا أفريقيا حاليا -وفق نوار- أرضا خصبة لمحاولات توسيع النفوذ بين القوى المتنافسة على الصعيد العالمي.

وعن مدى نجاح جولة لافروف، أكد أنه يتوقف على ما يمكن أن تقدمه روسيا من مساعدات، خصوصا القمح والوقود في مقابل حصولها على تأييد هذه الدول في حربها في أوكرانيا.

المصدر : الجزيرة

About Post Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *