كيم مع ابنته خلال إشرافه على أحدث اختبار للصواريخ العابرة للقارات (رويترز)

كيم مع ابنته خلال إشرافه على أحدث اختبار للصواريخ العابرة للقارات (رويترز)

كان التهديد -الذي صدر قبل أيام عن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون باستخدام الأسلحة النووية ردا على أي استهداف لبلاده- الأوضح على الإطلاق، وجاء في سياق توترات تعد الأخطر منذ سنوات بين بيونغ يانغ من جهة وبين الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة، وفي مقدمتهم كوريا الجنوبية واليابان.

ويأتي هذا التهديد بينما ترجح واشنطن أن بيونغ يانغ تستعد لتجربة نووية سابعة وتسعى لإنتاج أسلحة نووية تكتيكية، بالإضافة إلى عشرات الرؤوس النووية التي بات من شبه المؤكد أن بوسعها تركيبها على صواريخ عابرة للقارات لاستهداف البر الأميركي، أو على صواريخ أقصر مدى لضرب القواعد الأميركية بكوريا الجنوبية واليابان في حال اندلعت مواجهة عسكرية.

 

وخلال إشرافه مؤخرا على اختبار صاروخ “هواسونغ-17” (Hwasong-17) العابر للقارات ضمن عمليات إطلاق للصواريخ وُصفت بالقياسية خلال العام الجاري، قال كيم إنه في حال واصل “الأعداء” تشكيل أي تهديد للبلاد، فإن كوريا الشمالية سترد على الأسلحة النووية بأسلحة مماثلة وبمواجهة أشمل، وفق ما نقلته عنه وكالة الأنباء الرسمية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال كيم إن الهدف من إطلاق الصواريخ اختبار توجيه ضربات نووية تكتيكية، وحذر الولايات المتحدة من عواقب مهاجمة بلاده، قائلا إن قواته سترد بضرب القوات الأميركية في كوريا واليابان.

والصاروخ هواسونغ-17 يبلغ مداه 15 ألف كيلومتر، ووصفته الوكالة الكورية الشمالية بأنه أقوى سلاح إستراتيجي في العالم ويهدف لتحقيق ردع نووي، وقادر على ضرب العمق الأميركي. ولكن تقديرات في سول وواشنطن تفيد بفشل أحدث التجارب، وبأن عملية تطوير هذا الصاروخ “العملاق” لم تكتمل.

ومع أن إطلاق هذا الصاروخ المطور من نسخ سابقة لم يشكل تهديدا وشيكا للولايات المتحدة أو حلفائها، وفق ما جاء في بيان لوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) بما أنه حلّق فقط لمسافة ألف كيلومتر تقريبا خلال 69 دقيقة، فإن هذه الخطوة الجديدة تثير قلق واشنطن بالنظر إلى نجاح بيونغ يانغ في مراكمة قدرات صاروخية ونووية كبيرة باتت تشكل تهديدا تهديدا وجوديا لكوريا الجنوبية وخطرا محتملا على البر الأميركي البعيد.

 

وفي ظل التوترات الراهنة بشبه الجزيرة الكورية، التي تُرجمت على الأرض إلى إطلاق نار متبادل قرب الحدود ومناورات كبيرة في الجنوب بمشاركة أميركية وأخرى مضادة في الشمال، تُثار تساؤلات عما إذا كانت بيونغ يانغ قد اكتسبت بالفعل القدرة والجرأة على توجيه ضربة نووية للولايات المتحدة.

 

صواريخ وغواصات

وبحسب ما توصلت إليه الاستخبارات الأميركية والأوروبية والصينية، فإن لدى كوريا الشمالية ما بين 20 و60 رأسا نوويا قابلا للاستخدام مقابل ترسانة أميركية ضخمة تبلغ 6800 رأس نووي بحسب موقع “فوكس” الإخباري الأميركي (VOX).

ووفقا للاستخبارات الأميركية كذلك، يفترض أن كوريا الشمالية -الخاضعة منذ سنوات عدة لعقوبات دولية مشددة- قادرة الآن على تركيب رأس نووي على صواريخها العابرة للقارات، والتي يمكن أن تطال الساحل الغربي الأميركي، بالإضافة إلى هاواي وقاعدة “غوام” في المحيط الهادي وألاسكا.

وقد ذكرت مجلة “جورنال أوف هيلث إتيك” (journal of health ethics) -في دراسة نشرتها عام 2019- أن ضربات نووية كورية شمالية على أكبر 20 مركزا حضريا أميركيا ستضع 38% من السكان في خطر.

وإذا تم إطلاق ما يصل إلى 3 صواريخ بقوة 250 كيلوطنا لكل واحد منها، سيؤدي ذلك إلى وقوع 9.7 ملايين قتيل و16.8 مليون مصاب.

 

كما قدرت مؤسسة راند للأبحاث (RAND Corporation) أن استخدام بعض الأسلحة النووية الكورية الشمالية قد تشكل تهديدا كبيرا للولايات المتحدة، حيث إن استخدام بعض تلك الأسلحة ضد المدن الأميركية أو الكورية الجنوبية سيؤدي إلى ملايين الضحايا وخسائر كبيرة.

بدورها، قالت مجلة “ذي أتلنتيك” (The Atlantic) إن كوريا الشمالية قد تستخدم أسلحة نووية تكتيكية بموجب إستراتيجية “التصعيد من أجل خفض التصعيد” التي يقول الغرب إنها باتت ضمن العقيدة العسكرية لروسيا.

وفي تقرير سابق لها، نقلت وكالة رويترز عن محللين أن ما يريده الزعيم الكوري الشمالي هو إنتاج صاروخ يمكنه إطلاق رأس نووي على الأقل باتجاه أهداف في المنطقة، وأن أقصى ما يطمح إليه هو ضرب مدن الساحل الغربي الأميركي، على الأرجح من غواصة يمكن أن تتخفى في البحر.

أما صحيفة غارديان البريطانية (The Guardian) فقالت إنه حتى قبل تطوير بيونغ يانغ أسلحة نووية، توقع البنتاغون أن يقتل 490 ألف جندي كوري جنوبي و52 ألف جندي أميركي خلال الثلاثة الأشهر الأولى من أي حرب محتملة مع كوريا الشمالية.

وفي حين أن ضربة برأس نووية واحدة بقوة 250 كيلوطنا على سول ستؤدي لمقتل 783 ألفا وإصابة مليونين و700 ألف آخرين، وستتسبب ضربة مماثلة على طوكيو في مقتل 697 ألفا وإصابة مليونين و400 ألف آخرين، وفقا لتقديرات نشرها موقع “38 نورث” (38 north) المختص بشؤون كوريا الشمالية وما حولها.

 

 

أسلحة تكتيكية

في السياق، نقلت وكالة بلومبيرغ (Bloomberg) عن كيم جون أون قوله إن بلاده تريد صنع ترسانة من الأسلحة النووية التكتيكية، مما يعني قنابل نووية صغيرة يمكن استخدامها في أرض المعركة بدلا من استخدامها ضد مدن بأكمها.

وقالت بلومبيرغ إن ذلك يتطلب صنع رؤوس حربية صغيرة، لتلائم المجموعة المتزايدة من الصواريخ قصيرة المدى التي تهدد بها بيونغ يانغ القوات الأميركية وحلفاءها في آسيا.

ضربة استباقية ورد مدمر

ومع أن بعض الخبراء والمحللين يستبعدون أن يقدم كيم على استخدام سلاح نووي ضد الولايات المتحدة، لأن ذلك سيبدو -حسب تعبيرهم- كعمل “انتحاري” فإن آخرين يرون احتمالا لاستخدام للسلاح الأكثر فتكا في حال نشب نزاع كبير بشبه الجزيرة الكورية، مع احتمال انجرار الصين وروسيا إليه.

ووفق موقع “بوليتيكو” (Politico) فإن الزعيم الكوري الشمالي قد يستخدم أسلحة نووية في حال اندلعت الحرب لأن عدم استخدامها من البداية سيسمح للولايات المتحدة بتدميرها، وهو تقريبا نفس ما نقله الصحفي الأميركي المتخصص بالشؤون العسكرية، يوشي دريزن، عن خبراء تحدث إليهم عام 2018 خلال التوتر بين إدارة ترامب وكوريا الشمالية.

أما موقع فوكس الإخباري الأميركي، فذكر أن رد واشنطن على أي هجوم نووي -من جانب بيونغ يانغ- سيؤدي إلى تدمير المدن الكبرى في كوريا الشمالية خلال ساعات.

 

وعام 2018، أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن أعضاء في فريق دونالد ترامب اقترحوا توجيه ضربة محدودة للترسانة الصاروخية أو النووية الكورية الشمالية ردا على تصرفات بيونغ يانغ.

والسنوات الماضية، قال مسؤولون عسكريون أميركيون للكونغرس إن هناك طريقتين لمواجهة خطر الصواريخ الكورية الشمالية: الأولى ضربة استباقية تستهدف نقاط الإطلاق في حال تحقق البنتاغون من أن هناك عملية إطلاق وشيكة، والثانية وسائل الاعتراض في ألاسكا وكاليفورنيا في حال نجحت بيونغ يانغ في إطلاق صواريخ عابرة رغم الضربات الأميركية.

ووفقا للأكاديمية الدبلوماسية الكورية الجنوبية، فإن نجاح بيونغ يانغ في إنتاج صواريخ عابرة تعمل بالوقود الصلب سيصعب مهمة الولايات المتحدة في التصدي لخطر هجوم نووي كوري شمالي.

وفي تصريحات أدلى بها قبل سنوات في مركز بحثي بواشنطن، لم يستبعد وزير الدفاع الأميركي السابق وليام بيري أن تدخل بلاده في حرب نووية في حال نفذت ضربات على كوريا الشمالية وردت الأخيرة بضرب جارتها الجنوبية.

في يوليو/تموز 2017، فعّلت السلطات في هاواي نظاما للإنذار -يعود للحرب الباردة- من هجوم نووي محتمل بعد اختبار كوريا الشمالية صاروخا قادرا على ضرب الولايات المتحدة.

 

في سبتمبر/أيلول 2017 بعد أن اختبرت كوريا الشمالية سلاحها النووي الأقوى -الذي يفوق بأضعاف قوة القنبلتين اللتين ألقيتا فوق مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين عام 1945- حذر وزير الدفاع الأميركي حينها جيمس ماتيس من رد عسكري أميركي شامل.

 

صواريخ ورؤوس نووية

ونقلت وكالة بلومبيرغ -عن الجنرال الكوري السابق مون سونغ موك- أنه يعتقد أن الزعيم الكوري الشمالي نجح في تصغير كل الرؤوس النووية بحيث يمكن تركيبها على الصواريخ.

وقالت بلومبيرغ إن كيم بدأ إستراتيجية نووية من شقين لتطوير أسلحة تكتيكية لمنطقة آسيا، وأسلحة نووية أخرى أقوى بكثير للصواريخ طويلة المدى التي يمكن أن تضرب البر الرئيسي للولايات المتحدة.

كما نقلت الوكالة -عن الخبير الكوري الجنوبي بالصواريخ شانغ يونغ كيون- أن الصواريخ قصيرة المدى التي اختبرتها بيونغ يانغ عام 2019 مصممة لتفادي الصواريخ الاعتراضية التي تديرها الولايات المتحدة بالمنطقة، وقادرة على ضرب القواعد العسكرية الأميركية بكوريا الجنوبية في أقل من 5 دقائق بعد الإطلاق.

وعام 2017، أعلنت كوريا الشمالية نجاحها -في الرابع من يوليو/تموز يوم العيد الوطني الأميركي- في اختبار صاروخ قادر على بلوغ ألاسكا، وقدّمته هدية إلى “الأميركيين الأوغاد”.

 

وفي نفس العام، أجرت تجربة على صاروخ جديد عابر للقارات من طراز “هواسونغ-15” يمكنه أن يحمل “رأسا ثقيل الوزن” قادرا على ضرب البر الأميركي، بحسب بيونغ يانغ.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الأجنبية + مواقع إلكترونية

About Post Author