واشنطن وموسكو و3 عواصم عربية.. ما أبرز الدول المؤثرة على الأحداث في السودان؟
الخرطوم – يقع السودان في خضم شبكة مصالح وتقاطعات إقليمية ودولية واسعة ظلت تلقي بظلالها على مشهده السياسي باستمرار، في ظل موقعه الأفريقي المتميز وحيازته مكانة مقدرة في العلاقات مع الدول العربية.
وتتعاظم أهمية السودان مع تصنيف دول العالم لهذا البلد كورقة مهمة تخدم مجموعة مصالح في سياق التوازنات الدولية وبسط النفوذ والحد من الهجرة غير النظامية، إذ إن السودان يمثل معبرا مهما للمهاجرين إلى الشواطئ الأوروبية.
وخلال الأزمة السياسية التي حلت بالسودان منذ إجراءات قائد الجيش يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، برزت التدخلات والمساعي الإقليمية والدولية لطيّها وللمساعدة في استعادة الحكم المدني، مما أفرز تقسيمات في تعامل بعض الدول مع الأزمة، من واقع أن أطرافها العسكريين والسياسيين يتمتعون بعلاقات وطيدة مع بلدان مهمة لا تغيب عنها تقاطعات المصالح.
كيف يؤثر الموقف المصري على المشهد؟
ترى مصر في السودان دولة مهمة لأمنها القومي خاصة مع ظهور أزمة سد النهضة في إثيوبيا، الذي تعتبره القاهرة مهددا لأمنها المائي.
وظهرت مصر بوصفها أحد الضامنين للاتفاق السياسي في 2019 بين المدنيين والجيش بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير، كما بدت مؤيدة لإجراءات قائد الجيش في 2021، ولكنها لم تكن جزءا من الجهود الدولية في إطار اللجنة الرباعية (السعودية والإمارات وأميركا وبريطانيا) للوصول لتسوية سياسية عبر الاتفاق الإطاري الموقع بالفعل في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2022، بل شددت على ضرورة توسيع الاتفاق، واستضاف جهاز المخابرات المصري إثر ذلك مجموعة كبيرة من الأحزاب والتكتلات التي لم يشملها الاتفاق الإطاري.
وأسهم ذلك التقسيم في تأزيم حاد للوضع السياسي مع استمرار رفض “مجموعة القاهرة” -تضم حركات مسلحة في دارفور وقوى من شرق السودان وكيانات أخرى- التجاوب مع الأصوات الداعية لإنجاز الاتفاق النهائي، ومع ذلك مضى قادة الجيش وقوى الاتفاق الإطاري من المدنيين في اتجاه التسوية، التي تعثرت عند بند الإصلاح الأمني والعسكري، وتفجرت إثر تراكمات عديدة المعارك بين الجيش والدعم السريع.
قادة الجيش يحظون بدعم قوي من القيادة المصرية، ويميل العسكريون للمجموعات التي تطالب بتوسيع المشاركة في الاتفاق، في حين انحازت قيادة الدعم السريع لدعوات إنجاز الاتفاق بمن حضر مع السعي لضم الحركات المسلحة.
وفي أحدث تصريحات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اعتبر ما يحدث في السودان شأنا داخليا ولا ينبغي التدخل فيه. وقال -خلال ترؤسه أمس الاثنين اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة- إن موقف مصر ثابت ولا يتغير وهو عدم التدخل في شؤون الدول، مشيرا إلى أن الصراع الحالي ليس في مصلحة السودان.
وأعلن السيسي توجيه الدعوة للسودانيين للمفاوضات والتوقف عن القتال، مضيفا “نسعى للحفاظ على عدم تصعيد الموقف في السودان”.
وتحدث الرئيس المصري عن أن التاريخ سيسجل موقف مصر فيما يحدث الآن في أزمة السودان، وسعيها الدائم للحفاظ على استقراره، مؤكدا أن سياسة مصر الخارجية تتسم بالتوازن والاعتدال.
ما طبيعة الدور السعودي؟
تعتبر المملكة العربية السعودية عضوا مهما في الآلية الرباعية الدولية حول الوضع في السودان، وداعمةً للاتفاق الإطاري، كما وعدت الأطراف بدعم اقتصادي حال تشكيل الحكومة المدنية، وكان دورها فعالا في تثبيت دعائم التغيير الذي أطاح بحكومة الرئيس عمر البشير، حيث قدمت مساعدات عينية للحكومة المدنية لإنعاش الاقتصاد، وساندت الخرطوم مرارا بإرسال مساعدات غذائية وصحية خلال كوارث السيول والفيضانات.
ويحاول السفير السعودي في الخرطوم التحرك بين جميع الأطراف السياسية لحملها على تجاوز الخلافات، مبادرا باستضافة اجتماعات غير رسمية للتسوية بين الأطراف خلال الأزمة التي عصفت بالأوضاع لاحقا.
ويتمتع قادة السعودية بعلاقة جيدة مع قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي شاركت قواته بفاعلية في تحالف عاصفة الحزم بقيادة المملكة لحرب الحوثيين في اليمن، حيث تم إرسال حوالي 15 ألفا من الجند في بداية المعارك، قبل أن يتقلص عددهم مؤخرا إلى نحو 5 آلاف.
وخلال اتصال مشترك السبت الماضي، بحث وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ونظيراه الإماراتي عبد الله بن زايد والأميركي أنتوني بلينكن، الوضع في السودان إثر احتدام المعارك.
وقالت وكالة الأنباء السعودية (واس) إنه “جرى خلال الاتصال المشترك بحث الأوضاع الراهنة في جمهورية السودان، مع التأكيد على أهمية وقف التصعيد العسكري، والعودة إلى الاتفاق الإطاري، بما يضمن أمن واستقرار السودان وشعبه”.
كما أعربت وزارة الخارجية السعودية -في بيان- عن قلق المملكة البالغ جرّاء حالة التصعيد والاشتباكات العسكرية، ودعت المكون العسكري وجميع القيادات السياسية في السودان إلى تغليب لغة الحوار وضبط النفس والحكمة، وتوحيد الصف بما يسهم في استكمال ما تم إحرازه من توافق، ومن ذلك الاتفاق الإطاري الهادف إلى التوصل لإعلان سياسي، يتحقق بموجبه الاستقرار السياسي والتعافي الاقتصادي.
هل تؤثر الإمارات على الأحداث؟
تبرز الإمارات العربية المتحدة عضوا فاعلا في الآلية الرباعية الدولية، وتتمتع بعلاقة جيدة مع قائد الدعم السريع، يقال إنها تشمل روابط اقتصادية ومالية واسعة، غير أن الدور اللافت للإمارات كان احتضانها لقاءات بين مسؤولين إسرائيليين وسودانيين، إذ استضافت في أكتوبر/تشرين الأول 2021 اجتماعا بين وزير العدل السوداني وقتها نصر الدين عبد الباري، وعيدان رول نائب وزير خارجية إسرائيل، كما التقى الوزير السوداني بوزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي.
وفي يناير/كانون الثاني 2021 وقّع وزير العدل السوداني على اتفاق “أبراهام” للسلام، والذي ينص على نشر التسامح بين دول المنطقة، بما في ذلك إسرائيل.
ووقتها أثارت هذه الاجتماعات غضب الحكومة المدنية التي لم توافق على التطبيع، وقالت إن أمره متروك لحكومة منتخبة، غير أن القادة العسكريين في الجيش والدعم السريع على السواء مدوا حبال التطبيع بلا اكتراث للموقف الحكومي المعلن.
وحاولت الإمارات في أبريل/نيسان 2021 لعب دور في التهدئة بين السودان وإثيوبيا من واقع علاقاتها الجيدة بأديس أبابا حين تفاقمت أزمة الحدود بين البلدين، وذلك عبر طرح مبادرة اقترحت عودة الجيش السوداني إلى نقاط ارتكازه قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2020 موعد بدء التوترات، وتقسيم المساحات الزراعية بين أبو ظبي وأديس أبابا والخرطوم لتكون أراضي استثمارية.
لكن الخرطوم تحفظت على هذه المبادرة، وقالت إنها متمسكة بوضع العلامات الحدودية وفقًا لاتفاقية 1902 كأساس لأي تعاون أو تفاهمات لاحقة.
كذلك يتمتع العديد من أقطاب السياسة السودانية بوشائج وثيقة مع الإمارات، وسبق أن استضافت أبو ظبي مشاورات غير رسمية لدفع التحول المدني الديمقراطي في السودان، والحد من تمدد الإسلاميين، كما أبدت الإمارات تأييدها المبكر للاتفاق الإطاري الممهد لنقل السلطة إلى حكومة مدنية.
وبشأن الأزمة الناشبة بين الجيش والدعم السريع، تتحرك أبو ظبي مع اللجنة الرباعية لتهدئة الأوضاع، حيث قالت سفارة الإمارات في الخرطوم إنها “تتابع بقلق بالغ الأحداث الجارية في السودان، وتؤكد على موقف دولة الإمارات الثابت المتمثل في ضرورة خفض التصعيد، والعمل على إيجاد حل سلمي للأزمة بين الأطراف المعنية، وضرورة دعم الجهود الرامية إلى دعم العملية السياسية، وتحقيق التوافق الوطني نحو تشكيل الحكومة”.
الولايات المتحدة اللاعب الأقوى
تضغط الولايات المتحدة بشدة لدخول السودان المعترك الديمقراطي وتوقيع اتفاق نهائي بين العسكر والمدنيين، وتصر على أن أي دعم اقتصادي لهذا البلد المنهك رهين بالاتفاق، كما ترغب أيضا في إبعاد السودان عن فلك روسيا التي تسعى لبناء قاعدة روسية في البحر الأحمر.
ومن خلال زيارات واتصالات مستمرة لمسؤولين أميركيين، تعمل واشنطن على دفع العسكر لتسريع مغادرة السلطة وتسليمها للمدنيين، خاصة بعدما نجح رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإعادة تواصل الخرطوم مع العالم الخارجي، واستئناف الدعم الدولي والمنح التي كانت معلقة لسنوات طويلة.
وأقرت لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس في ديسمبر/كانون الأول 2021 فرض عقوبات على المسؤولين عن زعزعة الاستقرار في السودان، كما صوّتت اللجنة لإقرار مشروعين لفرض العقوبات، الأول يُدين الانقلاب العسكري في البلاد ويدعم الشعب السوداني، والآخر بعنوان قانون ديمقراطية السودان، ويشمل عقوبات ملزمة على المسؤولين عن زعزعة العملية الانتقالية بقيادة مدنية في البلاد.
وأجرى وزير الخارجية الأميركي الاثنين الماضي اتصالين بقائدي الجيش والدعم السريع، محاولا إقناعهما بإعلان هدنة لـ24 ساعة لأغراض إنسانية، معتبرا أن الخطوة ستمهد للتفاوض، وهو ما وافق عليه الطرفان رسميا.
هل ما زالت روسيا حليفا إستراتيجيا للعسكر؟
عرف الرئيس المعزول عمر البشير بعلاقاته المتميزة بالروس منذ وقت بعيد، حيث كانت موسكو حليفا دبلوماسيا وعسكريا للخرطوم تمدها بالسلاح والعون في الأمم المتحدة خاصة مع توتر العلاقات بين الخرطوم وواشنطن، حيث استثمرت روسيا في هذا التباعد وتمكنت من توسيع حلقات تعاونها الأمني مع السودان، خاصة مع امتلاك الأخير موقعا مهما على البحر الأحمر.
وبعد رحيل نظام البشير، واصلت المنظومة العسكرية تمتين الصلات مع روسيا، خاصة قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو الذي زار موسكو بالتزامن مع بدء الحرب في أوكرانيا، مما أثار تساؤلات واسعة، كما لم تخف دول غربية غضبها على هذا التواصل باعتبار أن حميدتي يفتح بابا للتدخل الروسي في أفريقيا، وذلك بالنظر إلى علاقات الرجل الممتدة بكل من قادة تشاد وأفريقيا الوسطى، وهي مناطق صراع نفوذ قوي بين الروس ودول أوروبية.