الرئيس الأميركي جو بايدن (يسار) أكد خلال لقائه نظيره الصيني شي جين بينغ ضرورة منع تحول المنافسة بين بلديهما إلى صراع (وكالات)

الرئيس الأميركي جو بايدن (يسار) أكد خلال لقائه نظيره الصيني شي جين بينغ ضرورة منع تحول المنافسة بين بلديهما إلى صراع (وكالات)

واشنطن – لم تخف الإدارات الأميركية المتعاقبة خلال العقد الأخير مخاوفها مما يمثله الصعود الصيني -في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية- من تحدٍ للمصالح الأميركية والنظام العالمي، الذي أسست له واشنطن في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وتضمنت الوثائق السرية والسرية للغاية -التي سُربت خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة قبل أن يتم اكتشافها قبل أيام- تركيز العديد منها على الصين من نواح عدة.

 

وأشار خبراء إلى أن الوثائق تبدو في صورة إحاطات تقليدية لهيئة الأركان المشتركة بالبنتاغون، على الرغم من كونها تحتوي على معلومات استخباراتية من العديد من الوكالات المشاركة في المنظومة الاستخباراتية الأميركية، بما في ذلك وكالة الأمن القومي، ومكتب الاستخبارات والبحوث التابع لوزارة الخارجية، ووكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه (CIA).

ولم تغير الحرب في أوكرانيا، وزيادة التهديدات الصادرة من موسكو، من تركيز المجمع الاستخباراتي الأميركي على الصعود الصيني وتهديداته للمصالح الأميركية.

 

أهم ما جاء في الوثائق بشأن الصين

شملت الوثائق تحليلا للمخاطر الواسعة النطاق التي تشكلها الصين، بما في ذلك استعداد بكين لإرسال مساعدات فتاكة إلى روسيا، وتفاصيل اختبار تجريبي لصواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت بخمسة أضعاف أجرته الصين في فبراير/شباط الماضي.

وتضمنت وثيقة أخرى تفاصيل اختبار أجرته بكين لأحد صواريخها التجريبية المتقدمة من طراز “دي إف-27” (DF-27) تفوق سرعته سرعة الصوت 5 مرات يوم 25 فبراير/شباط الماضي. وقالت إن الصاروخ حلّق لمدة 12 دقيقة عبَر خلالها 2100 كلم، وأن الصاروخ -وباحتمال كبير- يستطيع اختراق أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية بسبب سرعته الفائقة.

 

وجاء في إحدى الوثائق المسربة أن وزير الدفاع البريطاني بن والاس كلّف وزارته باستكشاف خطط لنشر إحدى حاملتي الطائرات البريطانية في المحيطين الهندي والهادي، ربما بالتعاون مع الحلفاء الآسيويين أو الولايات المتحدة. وقيّمت الوثيقة كذلك الردود المحتملة من بكين.

وقالت وثيقة أخرى إن شركة هندسية صينية مدعومة من الدولة أجرت مفاوضات في عام 2022 مع حكومة نيكاراغوا لتطوير ميناء بحري في المياه العميقة، مما أثار مخاوف عسكرية. وقالت إن حكومة نيكاراغوا “ربما تدرس عرض وجود بحري عسكري لبكين مقابل استثمارات اقتصادية”.

وأشارت وثائق أخرى إلى أن الولايات المتحدة تجمع معلومات عن كيفية تفاعل الدول الأخرى مع الصين باستخدام تكنولوجيا الإشارات والاتصالات العسكرية. وتشمل استخبارات الإشارات الاتصالات التي يتم اعتراضها، ويتم تعريفها على نطاق واسع من قبل وكالة الأمن القومي على أنها “استخبارات مستمدة من الإشارات الإلكترونية والأنظمة التي تستخدمها جهات أجنبية، مثل أنظمة الاتصالات والرادارات وأنظمة الأسلحة”.

وشملت الوثائق كذلك تفاصيل عن سفينة حربية صينية معتمدة حديثا، وإطلاق اختبارات صواريخ في شهر مارس/آذار الماضي، إضافة إلى إطلاق قمرين صناعيين من المتوقع أن يعززا قدرات بكين العسكرية على رسم الخرائط والرصد والتنصت حول العالم.

في سياق آخر، تكشف إحدى الوثائق المسربة أن هجوما أوكرانيا على الأراضي الروسية باستخدام أسلحة مقدمة من دول حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) يمكن أن يجر بكين إلى الحرب. وجاء في الوثيقة أن توجيه ضربة أوكرانية على هدف إستراتيجي مهم -أو زعيم كبير- في روسيا، قد يكون بمثابة مبرر إضافي للصين لإرسال مساعدات فتاكة إلى موسكو.

 

الاستخبارات الأميركية تركز على الصين

كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز قد أعلن في أكتوبر/تشرين الأول 2021 إنشاء وحدة متخصصة في قضايا الصين تعرف اختصارا باسم “سي إم سي” (CMC)، موضحا أن الوحدة “تهدف إلى تعزيز عمل الوكالة الجماعي بشأن أهم تهديد جيوسياسي تواجهه أميركا في القرن الـ21، أي حكومة صينية متزايدة العداوة”.

ولم يعد مفاجئا خروج مذكرات أو تصريحات من مسؤولين عسكرين أميركيين، تتضمن تحذيرات من المخاطر العالية لنشوب حرب مدمرة بين الولايات المتحدة والصين خلال أعوام قليلة، بسبب جزيرة تايوان.

ولهذه الأسباب تبذل إدارة جو بايدن جهودا كبيرة تهدف لتأسيس وتقوية سلسلة من التحالفات العسكرية مع دول محيطة بالصين لاحتوائها، مثل الاتفاق الأمني الرباعي بين أميركا واليابان وأستراليا والهند المعروف أيضا باسم “كواد” (Quad)، أو الاتفاقية الأمنية الثلاثية التي تضم أستراليا وبريطانيا وأميركا المعروفة اختصارا باسم “أوكوس” (AUKUAS)، وأخيرا التعاون العسكري الكبير مع الفلبين والمناورات العسكرية التي أعادت للأذهان الوجود العسكري الأميركي في الفلبين خلال تسعينيات القرن الماضي.

يذكر أن إستراتيجية الرئيس جو بايدن للأمن القومي، التي نشرت قبل نهاية العام الماضي، جاء فيها “أنه حتى بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، فإن الصين لا تزال تشكل التحدي الأكثر أهمية للنظام العالمي وللمصالح الأميركية”.

وفي أول لقاء بينهما في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أكد بايدن لنظيره الصيني شي جين بينغ أنه “لا بديل” عن المحادثات المباشرة، وقال في مستهل اللقاء إن الولايات المتحدة والصين تستطيعان إدارة خلافاتهما، وقادرتان على منع تحوّل المنافسة بينهما إلى صراع.

 
المصدر : الجزيرة

About Post Author