توفي اليوم الثلاثاء الروائي والقاص الفلسطيني غريب عسقلاني في غزة عن عمر ناهز 74 عاما، بعد مسيرة أدبية طويلة أصدر خلالها أعمالا أدبية عديدة، وترجم بعضها إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والروسية والألمانية والإسبانية، وتولى خلالها منصب نائب رئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في الفترة من 1987 إلى 2005.
وقال وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف -في بيان- “برحيل غريب عسقلاني تفقد الحركة الوطنية الثقافية رمزا من رموزها وعلما من أعلامها الذين أسسوا للوعي الإبداعي وأثروا المشهد الثقافي بفكرهم وإبداعهم الخلاق… فكتب عسقلاني أوجاع البلاد وهم العباد”.
وأضاف “عسقلاني وهو يرحل عنا اليوم ترك إرثه بين الأجيال التي تتلمذت على يديه مربيا ومعلما في مدارس غزة ومبدعا في صالوناتها الثقافية وموجها في نصائحه للأجيال من خلال دوره الأصيل في الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين”.
ولد إبراهيم الزنط -الذي اشتهر باسم غريب عسقلاني- في أبريل/نيسان 1948 بمدينة المجدل، ولجأت عائلته في العام ذاته إلى مخيم الشاطئ في غزة وكان عمره آنذاك أقل من سنة واحدة.
وحصل على بكالوريوس في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية عام 1969، ثم دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية من معهد البحوث والدراسات الإسلامية بالقاهرة عام 1983.
وقال الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين إن “إبراهيم الزنط الذي غاب كان صريحا لحماية الرواية من قمع المحتل (الإسرائيلي) وسطوته، بقي في الظل ليظهر غريب عسقلاني وينتشر كالشمس التي بدت على البيداء سلطانة الوقت كله، فقليلون من يعرفون إبراهيم الزنط وأغلب الذين عاشوا معه يعرفونه غريب عسقلاني”.
المثقف الفلسطيني
ومن أبرز روايات الكاتب الراحل: “الطوق” و”زمن الانتباه” و”نجمة النواتي” و”جفاف الحلق” و”زمن دحموس الأغبر” و”ليالي الأشهر القمرية” و”أولاد مزيونة” و”المنسي”.
وفي مجال القصة كتب عسقلاني “الخروج عن الصمت” و”حكايات عن براعم الورد” و”النورس يتجه شمالا” و”غزالة الموج” و”عزف على وتر حزين” و”مذاق النوم”، بالإضافة إلى قصص أخرى صدرت ضمن أعماله القصصية الكاملة عام 2017.
وشارك عسقلاني في موسوعة الأدب الفلسطيني الحديث بالولايات المتحدة باللغتين العربية والإنجليزية الصادرة عن مشروع ترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية، المعروف اختصارا باسم “بروتا”.
وحصل عسقلاني عام 2016 على وسام الثقافة والعلوم والفنون من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وعرف عسقلاني بانتقاده حالة الانهيار في المشهد الثقافي الفلسطيني نتيجة الانقسام والاصطفاف السياسي الذي أثر على الحالة الثقافية بشكل عاصف.
وأشار الأديب الراحل في حديث سابق للجزيرة نت إلى أن أحد مظاهر الانقسام تمثلت في خروج بعض المثقفين عن الإطار الثقافي الإبداعي إلى الإطار السياسي بتغليبهم الفصائلية على كل ما هو وحدوي. وأضاف أن “الانقسام الثقافي حالة مستنكرة بغض النظر عن كل مبرراتها وحيثياتها، لذلك يجب الانحناء أمام رغبات الناس لاستعادة الحلم الفلسطيني حتى لو كان على حساب الحزب”.
ورأى عسقلاني أن أكبر ما يهدد المثقف الفلسطيني هو الحذر الأمني الذي يسبقه إلى الكتابة، ولفت إلى أن ما يعيق توحيد جهود الأدباء هو الاصطفاف والتجاذب السياسي الذي أفرز أجساما ثقافية تشتت جهد المثقفين وتغيب التواصل في ما بينهم، ووقفت عائقا أمام بلورة حاله ثقافية شاملة.
ونعى ناشطون ومثقفون ومراكز ثقافية الكاتب الراحل، معتبرين أنه صوت الوجع والألم المكتوم داخل الفلسطيني نتيجة القهر والظلم والشوق الكبير للأرض، وفق ما رصدته وكالة سند للرصد والتحقق في شبكة الجزيرة الإعلامية.
وعلق الكاتب الفلسطيني محمود جودة “لا توجد لي صورة مع الأديب غريب عسقلاني، مرد هذا لأنني كنت دائما أجلس مقابله تماما، هو يتحدث وأنا أستمع، لقد كنت مأخوذا جدا بالمعرفة الهائلة التي كانت يتحدث بها الرجل”.
وأضاف “كان مرجعا مهما يمشي على قدمين، الآن غريب عسقلاني أكمل السير ليستزيد في المعرفة أكثر، رحم الله غريب عسقلاني”.
ونشر الكاتب السياسي إبراهيم المدهون “يرحل الإنسان وتبقى كتبه وأفكاره ومخطوطاته، وأجمل ما في عسقلاني أنه فكر وقلم فلسطيني عمل لإحياء الأدب والثقافة الوطنية وتبني المواهب الشابة، وأرسى بذورا أضحت أشجار باسقة”.
وكتبت الصحفية هداية شمعون “وترجل فارس القصة القصيرة الكاتب والأديب الرائع غريب عسقلاني، عرفناه رفيقا ومرشدا في الكتابة الإبداعية، أحببناه وعانقتنا كتاباته في القصة والرواية.. ستبقى قصصه وسيرته الأدبية الإبداعية مقاما ملهما، رحمة الله عليه، والعزاء لعائلته وأحبابه، والعزاء لنا جميعا”.